إن الله يأمر بالعدل والإحسان

الحمد للهِ الواحدِ الأحد نحمده تعالى حمدا ليس معه فيه أحد ونشكره جل وعلا شكرا موجبا للمزيد من لدنِ الفرد الصمد

ونشهد أنه الله وليُّ كلِّ مَن عَبَدَهُ حقا وَوَحَّد، أمرنا سبحانه بإتيان معاليَ الأخلاق ونهى مطلقا عن سَفَاسِفِهَا فقال جل وعلا:

ونشهد أن حبيبنا وإمامنا محمدا رسولُ الله، أفضلُ من عَبَدَ وَوَحَّد، إمامُ المرسلين وَسَيِّدُ الأولين والآخرين، حين سئل عن أكثرِ ما يدخل الجنة قال كما رواه ابن ماجة عن أبي هريرة:

أما بعد، ففي زمان كَثُرَ فيه اللغطُ ولم يعد الكثيرُ من الناس يرى بأسا في مناقشة فرائضِ الله والكلام في كتابه تعالى، مطالبين بمراجعة ما جاء فيه من أحكام وتغيير ما ورد فيه من نصوص أصبح من الضروريِّ أن نقف وقفةَ تأملٍ نرجع بها إلى رشدنا آملين ألا يكتبنا ربُّنا فيمن قال فيهم متوعدا منذرا مهددا:

العدل المأمور به هو إعطاء الحقّ إلى صاحبه، وأيُّ حق أعظمُ من حق الله في التسليم له بما أمر وحين يأمر. أليس هو الذي أحاط بكل شيء علما؟ فكيف تسول النفس لبعضهم أن يُخَطِّئَ كلامه سبحانه فيطالب بمراجعة النصوص الواردة فيه بدعوى أنها لم تعد صالحةً وتحتاج إلى تطوير لكي تتماشى مع العصر الآني؟ حسبنا الله والحمد لله!

الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله. ثم إن الله أمر بالإحسان وهو كما عرفه الحبيب أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ فماذا سيقول هؤلاء لله وهم يطالبون بتغيير النصوص وعدم تجريم الفواحش والعمل على تعطيل الشريعة؟ ألم يعلموا أن الله تعالى يراهم ويكتب كل ما قد يصدر عنهم من مخالفات وينجم عنهم من ذنوب ومنكرات؟ أوَقد نسوا أنهم واقفون لا محالة للسؤال والحساب ثم العقاب؟ استمعوا إلى قوله تعالى:

ثم إن الله تعالى خَصّ بالذّكر من جنس أنواع العدل والإحسان نوعاً مُهمّاً هو إيتاءُ ذوي القربى ثم الوفاءُ بالعهد ونهى عن أمور ثلاثة لا يتسع المقام للتوسع فيها فنضرب لها موعدا قابلا بحول الله والحمد لله أولا وآخرا. اللهم اغفر وارحم إنك أنت الولي الأكرم وانصر ولي أمرنا وأقر عينه بولي عهده والحمد لله.

من حقوق القرآن على المسلم: حق التبليغ

الحَمْدُ لِلَّهِ وليِّنا، الذي نزَّل الكتابَ وهو يتولى الصالحين، نحمده تعالى حمدا لا نحمده أحدا سواه ونشكره جل وعلا شكرا لا نشكره أحدا غيره، ونشهد أنه اللهُ الوليُّ الحميد، ذو البأس الشديد والعطاء الوافر الرغيد، نِعمُهُ لا تحصى وآلاؤهُ لا تستقصى، أرشد عباده المؤمنين إلى أعظم وظيفة لهم في هذه الدنيا فقال I في سورة فصلت (32):

وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ

ونشهد أن سيدنا محمدا عبدُه ورسوله، بَيَّنَ أن هذه الوظيفة مرغوب فيها ومطلوبة من كل مسلم يُحِبُّ الله ورسوله، فقال عليه السلام:

بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً

أما بعد، فقد وصلنا إلى نهاية عِقد الكلام عن نعمة القرآن وكيفية شكرها بالحرص على أداءِ حقوقه كاملةً غيرَ منقوصة وقد علمنا مما سبق أن آخر حق من حقوق القرآن السبعة هو حق التبليغ بأن تعلمه لغيرك متى تعلمت منه شيئا فتُظْهِرَ توجيهاتِه غضةً طريةً لكلِّ من يريد الأخذَ بها والعملَ على إرسائها. وهذا هو أصل الدعوة وجوهَرُها فالقرآن لا يُفْرَضُ فرضا على من لا يُقْبِلُ عليه طواعية ولا يُحِبُّ سماع ما فيه إلا مُكْرَهاً، بل يُذَكَّرُ به فقط من رام العلمَ به ومالت نفسه إلى أخذ ما يحتوي عليه من كنوز ويمتلئ به من ثروات مصداقا لقوله:

نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْءَانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ

وتبليغ القرآن نوعان، تبليغٌ باللسان وتبليغٌ بالإسوة الحسنة النابعة من الجنان. أما التبليغ باللسان فيتمثل في أن تُعَلِّمَ غيرَك حروفَه وحدودَه تماما كما تعلمتَها أنت أولا، والندبُ إلى ذلك مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم:

خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْءَانَ وَعَلَّمَهُ

وتجدر الإشارةُ إلى أنه ليس من الضروريِّ لذلك أن تكون من الشيوخ المبرزين، بل يكفيك أن تحرص على تبليغ ما تعلمته كلما تعلمته، فإن استطعت أن تصبح آية في ذلك فلا يسعنا إلا أن ندعوَ لك بالتوفيق ونُكِنَّ لك كل الاحترام لأن مُعَلِّمَ الناسِ القرآنِ هو خيرُ إنسان. فاللهم أعنا على تعليم الناس القرآن والحمد لله الكريم الرحمن. الحمد لله والصلاة والسلام على نبيه وآله ومن والاه. عباد الله، تبليغ القرآن باللسان يُثَنِّيهِ التعليمُ بالإسوة الحسنة، ويتمثل في ظهور أخلاقه عليك في سلوكك وفي كلامك فتؤثر بها على غيرك ممن يراك فيذكر اللهَ بك:

خِيَارُكُمُ الَّذِينَ إِذَا رُءُوا ذُكِرَ اللَّهُ

فطوبى لمن غلب عليه الصلاح فرآه الناس على تلك الحال فتأثروا به فاجتهدوا لأن يكونوا مثله. وطوبى لمن كانت صحبته غنيمة وطوبى لمن ظهر على وجهه أثر الإيمان فأثَّر به على من لقيه من الناس فأخذوا منه ذلك فأصبحوا من الصالحين. كن ممن إذا تكلم صدق وإذا وعد وَفَّى وإذا اؤتمن بر وأخلص وإذا خاصم عف وتأدب كن كذلك تكن مبلغا لكتاب ربك. حافظ على صلواتك وأد زكاة مالك وصم شهر رمضان بكافة جوارحك تكن مبلغا لكتاب ربك. ابتسم في وجه أخيك وبَرَّ والديك وانزَع الكبر من قلبك وقرارةِ نفسك تكن مبلغا لكتاب ربك. تنزه عن أكل حق غيرك وارض بما قسم الله لك واجعل حياتك ممتلئة بذكر مولاك تكن مبلغا لكتاب ربك. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا وضياء أبصارنا وجِلاء أحزاننا واجعل تبليغه كما تحب منوالا لنا. اللهم وفق وليَّ أمرنا وصل على نبينا والحمد لله.

رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ

S'élever avec le Coran