من حقوق القرآن على المسلم: حق التبليغ

الحَمْدُ لِلَّهِ وليِّنا، الذي نزَّل الكتابَ وهو يتولى الصالحين، نحمده تعالى حمدا لا نحمده أحدا سواه ونشكره جل وعلا شكرا لا نشكره أحدا غيره، ونشهد أنه اللهُ الوليُّ الحميد، ذو البأس الشديد والعطاء الوافر الرغيد، نِعمُهُ لا تحصى وآلاؤهُ لا تستقصى، أرشد عباده المؤمنين إلى أعظم وظيفة لهم في هذه الدنيا فقال I في سورة فصلت (32):

وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ

ونشهد أن سيدنا محمدا عبدُه ورسوله، بَيَّنَ أن هذه الوظيفة مرغوب فيها ومطلوبة من كل مسلم يُحِبُّ الله ورسوله، فقال عليه السلام:

بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً

أما بعد، فقد وصلنا إلى نهاية عِقد الكلام عن نعمة القرآن وكيفية شكرها بالحرص على أداءِ حقوقه كاملةً غيرَ منقوصة وقد علمنا مما سبق أن آخر حق من حقوق القرآن السبعة هو حق التبليغ بأن تعلمه لغيرك متى تعلمت منه شيئا فتُظْهِرَ توجيهاتِه غضةً طريةً لكلِّ من يريد الأخذَ بها والعملَ على إرسائها. وهذا هو أصل الدعوة وجوهَرُها فالقرآن لا يُفْرَضُ فرضا على من لا يُقْبِلُ عليه طواعية ولا يُحِبُّ سماع ما فيه إلا مُكْرَهاً، بل يُذَكَّرُ به فقط من رام العلمَ به ومالت نفسه إلى أخذ ما يحتوي عليه من كنوز ويمتلئ به من ثروات مصداقا لقوله:

نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْءَانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ

وتبليغ القرآن نوعان، تبليغٌ باللسان وتبليغٌ بالإسوة الحسنة النابعة من الجنان. أما التبليغ باللسان فيتمثل في أن تُعَلِّمَ غيرَك حروفَه وحدودَه تماما كما تعلمتَها أنت أولا، والندبُ إلى ذلك مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم:

خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْءَانَ وَعَلَّمَهُ

وتجدر الإشارةُ إلى أنه ليس من الضروريِّ لذلك أن تكون من الشيوخ المبرزين، بل يكفيك أن تحرص على تبليغ ما تعلمته كلما تعلمته، فإن استطعت أن تصبح آية في ذلك فلا يسعنا إلا أن ندعوَ لك بالتوفيق ونُكِنَّ لك كل الاحترام لأن مُعَلِّمَ الناسِ القرآنِ هو خيرُ إنسان. فاللهم أعنا على تعليم الناس القرآن والحمد لله الكريم الرحمن. الحمد لله والصلاة والسلام على نبيه وآله ومن والاه. عباد الله، تبليغ القرآن باللسان يُثَنِّيهِ التعليمُ بالإسوة الحسنة، ويتمثل في ظهور أخلاقه عليك في سلوكك وفي كلامك فتؤثر بها على غيرك ممن يراك فيذكر اللهَ بك:

خِيَارُكُمُ الَّذِينَ إِذَا رُءُوا ذُكِرَ اللَّهُ

فطوبى لمن غلب عليه الصلاح فرآه الناس على تلك الحال فتأثروا به فاجتهدوا لأن يكونوا مثله. وطوبى لمن كانت صحبته غنيمة وطوبى لمن ظهر على وجهه أثر الإيمان فأثَّر به على من لقيه من الناس فأخذوا منه ذلك فأصبحوا من الصالحين. كن ممن إذا تكلم صدق وإذا وعد وَفَّى وإذا اؤتمن بر وأخلص وإذا خاصم عف وتأدب كن كذلك تكن مبلغا لكتاب ربك. حافظ على صلواتك وأد زكاة مالك وصم شهر رمضان بكافة جوارحك تكن مبلغا لكتاب ربك. ابتسم في وجه أخيك وبَرَّ والديك وانزَع الكبر من قلبك وقرارةِ نفسك تكن مبلغا لكتاب ربك. تنزه عن أكل حق غيرك وارض بما قسم الله لك واجعل حياتك ممتلئة بذكر مولاك تكن مبلغا لكتاب ربك. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا وضياء أبصارنا وجِلاء أحزاننا واجعل تبليغه كما تحب منوالا لنا. اللهم وفق وليَّ أمرنا وصل على نبينا والحمد لله.

رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ