من حقوق القرآن على المسلم: حق الاعتقاد

الحَمْدُ لِلَّهِ منزلِ الكتاب وموثرِ السحاب، نحمده تعالى حمدا لا حد له ونشكره جل وعلا شكرا لا ريب فيه ونشهد أنه الله، نِعمُه ظاهرة وآلاؤه متكاثرة، بَينَ حقيقةَ القرآن الكريم في سورة الشعراء فقال عز وجل:

وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ

ونشهد أن سيدنا محمدا عبدُه ورسوله، قال عن خصائص القرآن:

إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللَّهِ فَاقْبَلُوا مِنْ مَأْدُبَتِهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ. إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ حَبْلُ اللَّهِ وَالنُّورُ الْمُبِينُ وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ، عِصْمَةٌ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ وَنَجَاةٌ لِمَنْ تَبِعَهُ، لا يَزِيغُ فَيُسْتَعْتَبَ وَلا يَعْوَجُّ فَيُقَوَّمُ وَلا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ وَلا يَخْلَقُ مِنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ

أما بعد فقد تحدثنا قبل ثلاثةِ أسابيع عن نعمة القرآن وكيفية شكرها بالحرص على أداءِ حقوقه كاملةً غيرَ منقوصة وقلنا يومها إن أول تلك الحقوق حق الاعتقاد، بأن يؤمن المرء إيمانا راسخا بأنه كلامُ الله أزليٌّ غيرُ المخلوق أنزله I على قلبِ عبده محمدٍ r ليكون للعالمين نذيرا مصداقا لقوله تعالى « تَنزِيلٌ مِن رَّبِّ العَالَمِينَ ». فالقرآن الكريم كلامُ الله والأدلة على ذلك أكثر من أن تُعَدَّ، منها ما هو فيه من إعجاز بلاغي ولغوي وتاريخي وعلمي وغير ذلك من وجوه الإعجاز التي تكلم عنها العلماء قديما وحديثا ولا يزالون بل لا يكادون ينقطعون لأنهم لن يبلغوا أن يستوفوا الموضوع حقه، ولكنَّ أعظمَ دليلٍ عندي هو سِعة انتشاره بين الناس وكيف استطاع أن يملك ألباب الجميع سواء مؤمنهم أو كافرهم، فهل رأيتم كتابا عبر التاريخ نُسِخَ بعدد ما نُسِخَ القرآن أو طُبِعَ بعدد ما طُبِعَ القرآن أو نُشِرَ بعدد ما نُشِرَ القرآن أو حُفِظَ بعدد ما حُفِظَ القرآن أو فُسِّرَ بعدد ما فُسِّرَ القرآن أو تُرْجِمَ بعدد ما تُرْجِمَ القرآن أو حتى انتُقِدَ بعدد ما انتُقِدَ القرآن؟ علما بأن الانتقادات التي تطاله لم تفلح في الانتقاص منه بل لا تدل إلا على كثرة الاهتمام به عرفانا بفضله وإجلالا لقدره فلله الحمد على كرمه ومنه وإحسانه.

الحمد لله والصلاة والسلام على نبيه وآله ومن والاه. إذا كان القرآن الكريم كلامَ الله فينبغي أن نعتقد فيه أنه محفوظٌ عنده تعالى في لوح معين منذ الأزل وأنه لا يطاله التحريف ولا ينبغي له. فالله هو الذي تكفل بحفظه مؤكدا ذلك بسبعةِ مؤكدات في قوله من سورة الحجر:

إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ

فلا تغرنكم الدعوات التي أضحت تنتشر هنا وهناك للتشكيك فيما ينبغي اعتقاده تجاه القرآن وكونوا على يقين أنها كلها ستبوء بالفشل:

فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ

ثم زد على كونه غيرُ مخلوق فهو بلسان عربي مبين مما يستوجب منا حفظا لهذه اللغة العظيمة دراسة وتعليما ونشرا لنحظى بشرف فهم كلام ربنا، فَهْماً تَامّاً يمَكِّنُنَا من تدبر ما جاء فيه وتطبيق ما ورد علينا من آياته حق التطبيق. فمِن شُكْرِ نعمةِ القرآن علينا الحفاظ على لغته والدفاعُ عنها والعملُ على إرسائها في حياتنا اليومية كلغة أم بها تحيا هويتنا وعليها نبني مجدنا وسؤدد أمتنا. فلغة القرآن هي لغة أهل الجنة، لغة عظيمة مجيدة، أصيلة بليغة زاخرة غنية رائعة وكذا علمية وهذا لا ينكره إلا جاهل أو ماكر يأبى إلا الجحود وغلق الأبصار عن السوية، كما قال تعالى وعلى أبصارهم غشاوة فاللهم ارحمنا برحمتك ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا. اللهم وانصر ولي أمرنا والحمد لله.

نعمة القرآن، لا تبخسوها

الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا، نحمده تعالى على كافة نعمه ونشكره جل وعلا على جميع آلائه ونشهد أنه الله مُنزِلُ رحمتِه ومُزلِفُ جنتِه وسائق عباده المؤمنين إلى رضوانه، نوه سبحانه وتعالى بالقرآن الكريم في سورة يونس ودعا عباده للفرح به لأنه أفضل ما يُنْعَمُ به عليهم فقال:

قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ

ونشهد أن سيدنا محمدا عبدُه ورسوله بين فضل القرآن وضرورة التمسك به والعمل بتعاليمه فَقَالَ r في حديث أبي شريح الخزاعي:

إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ سَبَبٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللَّهِ وَطَرَفُهُ بِأَيْدِيكُمْ، فَتَمَسَّكُوا بِهِ فَإِنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا وَلَنْ تَهْلِكُوا بَعْدَهُ أَبَدًا

أما بعد فإن نعم الله كثيرة، استعرضنا بعضها فيما مضى، واليوم أود الوقوف عند نعمة النعم. إنها نعمة القرآن التي كَفَرَها كثيرٌ من الناس فلم يقدروها حق قدرها وآن الأوان أن نُفيق من سباتنا تجاهها. نعم إن كتابَ الله فينا وبيننا ولكنه غالبا ما يبقى في الرفوف لا يخرج منها إلا في المآثم والمقابر وموائد الاسترزاق فإذا ما قرأته في فرح تعجب منك السامعون وإذا ما استشهدت به في حفل أو مناسبة تنكر لك المنصتون بينما الحبيب المصطفى r يقول في حديث عمران:

اقْرَءُوا الْقُرْآنَ وَسَلُوا اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَجِيءَ قَوْمٌ يَسْأَلُونَ النَّاسَ بِهِ

إن القرآن هو هدية الله لخلقه فينبغي لهم ألا يضيعوه حروفا وأحكاما حتى لا يأتي يوم يقول فيه الرسول إن قوميَ اتخذوا هذا القرآن مهجورا فيندم الناس عندها فلا ينفعهم الندم. القرآن هو حبل الله الموصول وهو نوره الساطع وهو الهادي بإذنه إلى ما فيه خيرُ العباد. قال Y:

قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا – إِنَّ هَذَا الْقُرْءَانَ يِهْدِي لِلَّتِي أَقْوَمُ

فهنيئا لنا بهذا الكنز العظيم وهنيئا لنا بهذا الخير المبين والحمد لله.

الحمد لله والصلاة والسلام على نبيه وآله ومن والاه. نعمة القرآن نعمةٌ عظيمة، علينا أن نعيها ونعرف كيف لنا شكرُها. إذا كنت ممن يتوق إلى شكر نعمة القرآن فعليك بالعمل على تأدية حقوقه دون تقصير ولا تفريط. الأول حق الاعتقاد بأن تؤمن إيمانا لا ريب فيه أنه كلام الله الأزلي غير المخلوق أنزله على عبده محمد صلى الله عليه وسلم ليكون للعالمين نذيرا « تنزيل من رب العالمين ». الثاني، التعظيم بأن تُوليَهُ ما يستحق من الاحترام عند مسه وتلاوته وسماعه « وإذا قرئ فاستمعوا ». الثالث حق التلاوة بأن تخصص لنفسك وردا يوميا لا يفوتك « اتل ما أوحي إليك ». الرابع، القراءة بأن تحفظ منه ما تيسر لك « فاقرأوا ما تيسر من القرآن ». الخامس، التدبر بأن تتريث في تلاوته حتى تفهم ما هو وارد فيه وتفقه ما هو مطلوب منك « كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته ». السادس، التطبيق بأن تنزل ما فيه من أحكام وتوجيهات ومعالي الأخلاق على ارض الواقع « وَهـذا كِتابٌ أَنزَلناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعوهُ وَاتَّقوا لَعَلَّكُم تُرحَمونَ ». أما السابع فالتبليغ « ومن أحسن قولا ممن دعا » فتحقق من حظك في كل هذا وكن على بينة، اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا. اللهم أدم علينا نعم التلاوة والحفظ والتدبر وأعنا على التبليغ والتطبيق والتعظيم والاعتقاد ووفق وليَّ أمرنا والحمد لله.