ثقتك بالله تزيدك سعادة في الدنيا قبل الآخرة
الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى ونشكره ونشهد ألا إله غيره علام الغيوب وساتر العيوب علمنا أن ما يجري في هذه الحياةِ الدنيا إنما يجري بأمره وأنه جل وعلا هو المتصرف الوحيد في ملكه فقال:
قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ .. بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ .. لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ .. قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ .. وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ .. وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ .. قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ .. وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ .. وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ .. وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ .. إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ .. وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ .. إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ .. فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ
ونشهد أن سيدنا وحبيبنا محمدا رسولُ الله بيَّن لنا أن التوكل الحق هو الذي يُمَكِّنُ فعلا من جني لذات هذه الدنيا ورِبح ثمراتها فقال:
لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا
إن الإيمان بالله هو الدعامة التي تقوم عليها حياتنا وهو الامتحان الأكبر الذي من أجله اللهُ خلقنا. وإن من مقتضيات هذا الإيمان أن يضع المرء الثقة الكاملة في ربه وأن يعلم أنه سبحانه لا يفعل إلا خيرا.
فإذا تيقن المسلم من هذا واعتقده في نفسه هان عليه كلُّ شيء فصار يُحَلِّق في سماء السعادة ناظرا إلى الناس من علٍّ، مستغربا كيف هم مشغولون بهذه الدنيا بأكثرَ مما تستحق.. إن الله تعالى أعلمنا بأن الرزق فيها مضمون فقال سبحانه:
وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ
فلماذا يا ترى يهرع الناس إلى طلب ما هو مضمون وينصرفون غيرُ آبهين عن ما ليس فيه ضمانةُ دوام من إيمان وتقوى .. فيَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ .. إن الذي يزهد في الدنيا ويخلِّص قلبه من التعلق بها لا يخاف ولا يرتبك بل يعيش سعيدا ولا يأسى على ما فاته ولا يحزن لأنه يعلم أن الله لن يضيعه بل سيعوضه وإن بعد حين:
لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
ثق بالله إذن وكن كما قال أحد الحكماء لا تسعى في طمع ولا تتكلم فيه ولا ترجو ولا تخف دون الله سواه. نفعني الله وإياكم بآي الذكر الحكيم وبحديث إمام الأنبياء وسيد والمرسلين وجعلني وإياكم من عباده المتقين ويرحم الله عبدا قال آمين.
الحمد لله على آلائه والشكر لله على توفيقه وامتنانه.. ولا تفهمن من هذا الكلام عدمَ وجوب الأخذ بالأسباب في طلب الرزق أيا كان ولكنِ التهافتُ على الدنيا وزينتِها والتنافسُ على ما هو زائل منها هو المقصود بالذم. ألا ترى إلى ذلك المسكين الذي يحصِر هدف حياته في منصب لا يسمن ولا يغني من إيمان فيطلبه ويحرص عليه ولا يزال.. ألا ترى إلى ذلك الغافل الذي قطع رحمه وشتت أسرته من أجل إرث ضئيل لا ينفعه.. ثم ألا ترى إلى ذلك الحقير الذي أهلك نفسه بقتل أخيه من أجل دراهم معدودة؟ ثم قل: ألا يدري هؤلاء أنهم هم كذلك غادين إلى زوال وأنه قد آن أوان الرحيل؟ فكن يا مسلم على بينة من الأمر وتذكر قدرة ربك على منعك ما تتمناه لنفسك ولا تنسى أبدا مكائد الشيطان الذي يتربص بك ولا يتوانى واعلم كما أراد لنا النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم:
أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ
وكن تماما كما قال في أول الحديث
معلما ابن عمه الغلام الحَبرِ:
اِحْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ اِحْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ
فلا مجال إذن للجهود المضنية من غير اعتماد على الله الذي يقضي بالحق وهو السميع العليم.. والذي يستحق وحده أن يُتَوَكَّلَ عليه.
رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا.. رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ.. رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ.
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا.
ربَّنَا إننا مذنبون فاغفر لنا مسرفون فتب علينا أخطأنا فاعف عنا وتِهنا فردنا إليك ردا جميلا. اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا سببا لمن اهتدى..
اللهم قوِّ ؤلي أمرنا وحامي حمى الملة والوطن والدين بالسبع المثاني والقرآن العظيم. اللهم اجعل قرةَ عينه في الصلاة واطمئنانَ قلبه في ذكرك ومنبعَ سروره في إتباع سنة نبيك وكنهَ حكمه في تطبيق كتابك.
ربنا إياك سألنا ولإحسانك تعرضنا فأقبل اللهم علينا ولا تخيب فيك رجاءنا فأنت ولينا ومولانا وإليك المصير.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.